← Back Published on

جرائم الخدم: اضطراب نفسي أم رد فعل عكسي؟

"ظننت أنني قد أمنت على والدي مع الخادم، لكنه لم يكتفي بحرمانه من الطعام والشراب والدواء، بل تطاول عليه بالضرب المبرح" هكذا اختصرت مريم علي، قصة والدها الثمانيني الذي وضعته تحت رعاية الخادم العشريني. هذا السلوك اللاأخلاقي من الخدم ليس الأول ولا الأخير من نوعه. فرغم كل الجهود التي تبذلها الإمارات للحد من جرائم الخدم، إلّا أنها مازالت تأخذ حيزاً من أحاديث الرأي العام. فبالنسبة للعديد من الناس، التحدث عن مشاكل الخدم يذكرهم بذكريات لطالما تمنوا نسيانها.

قالت الموظفة هيا البسيتي "لقد سمعت الكثير عن ردود أفعال الخدم. لذا كنت أُوفر لها كل ما تريده، تحاشياً لما قد يبدر منها من تصرفات لاأخلاقية. ومع هذا، ابني البالغ من العمر ست سنوات لم يفلت من أعمالهم الشنيعة". مضيفةً "ففي السنة الماضية، ذهبت للعمل وتركت ابني مع الخادمة، لأعود وأراها مختفية. وابني يبكي وجسمه مليئٌ بالكدمات. فعلاً لا أعلم ما يدور برأس الخادمات!".

وفي هذا الإطار، أوضح استشاري الأمراض النفسية، من المركز الأمريكي النفسي والعصبي في دبي، الدكتور سامر مخول "أنه في مثل هذه الحوادث، تكون الجانية متعرضة لأزمة نفسية دفعتها للهروب خوفاً من العقاب. أما بما يتعلق بضربها للولد، فأغلب الناس يلجأون للعنف كوسيلة لكبت الأطفال في حال مشاغبتهم. طبعاً لايمكننا جزم الأقوال، فنحن لا نعلم تفاصيل الحادثة حتى يتم القبض على الجانية وفحصها". ويستكمل حديثه قائلاً "هنالك العديد من الأمراض النفسية التي تؤثر على تصرفات الخدم كمرض انفصام الشخصية أو الخرف المبكر أو حتى الميول نحو الإجرام".

وتعقيباً على قضية خادمة البسيتي، بيّن وكيل النيابة الأول يوسف أمين آل علي "أنه في أغلب حالات هرب الخدم يصعب العثور عليهم، لأنهم يلجأون للعمل في بيوت أخرى بطريقة غير شرعية. لكننا عممنا اسم خادمة البسيتي على الحدود وفي حال القبض عليها من قبل الشرطة يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة". وتابع آل علي"من هذه الإجراءات أخذ أقوال المتهمة. وعلى إثرها تضطر الشرطة لإجراء فحوصات طبية في قسم العلم النفسي الجنائي، التابع للأدلة الجنائية وعلم الجريمة بشرطة دبي، لتحليل شخصيتها". وأشار أن هذه الخطوة عادةً تُتخذ مع المتهمين بجرائم القتل والخطف والتهديد والتحرش.

فالإعتماد الزائد والثقة الزائدة بالخدم حولت حياة م.س. (11 عاماً) من طفلة بريئة إلى أم قاصر. شرحت والدتها، رافضةً الإفصاح عن اسمها، قائلةً "كنت أترك الخادمة تنام مع ابنتي في الغرفة ذاتها. لكنني صدمت عند اكتشافنا أنّ هذه الخادمة الآسيوية، بطبيعتها رجل متخفي تحت غطاء الأنوثة لإيجاد فرصة عمل". خلال التحقيق تم تحويل المتهم إلى قسم العلم النفسي الجنائي، وأوضحت شرطة دبي أنه "لم تكن لديه نية بالإنتقام أو بإيذاء الطفلة، لكنه يعاني من خلل هرموني يفقده السيطرة على نفسه".

لم تقتصر مشاكل الخدم بالهروب والسرقة والضرب والتعدي والتحرش بالأطفال والكبار في السن، بل أصبحوا يمارسون "طرق جديدة للإنتقام" حسبما أفاد المهندس حسين أحمد. وأضاف "ربما كنت فظاً مع الخادمة، لكنه ليس ممبرراً لتنتقم مني بتبولها بكأس الشاي الخاص بي". وفي المقابل اعترضت أخت المتهمة ميري أ. بقولها "أختي لم تفكر بالإنتقام، بل لجأت لمعتقداتنا بأن البول إذا شُرب يصبح المخدوم ودوداً مع خادميه. وأختي بريئة من هذه الإفتراءات".

تختلف وجهات النظر من الجاني إلى المجني عليه، من قضية إلى أخرى، كما تتعدد دوافع الإقدام على الجريمة. لذا لايمكننا سماع وجهة نظر واحدة وإصدار الأحكام. ففي قضية الخادم العشريني، أردف صديق الجاني جيمس كول "إنّ صديقي كان يُعامل بطريقة سيئة ومهينة. فوالد مريم كان يحرمه من راتبه إن لم يفعل له ما يأمره به، وكان يشعره بأنه عبد عنده. لذا قرر استغلال ضعف حركة الثمانيني وبدأ يحرمه من الطعام والشراب لفترات طويلة. لكن والد مريم زاد الموقف سوءً، فقد كان يسيء في كلامه، مما دفعه لضربه وتعذيبه". وقال رئيس النيابة المساعد أحمد محمد الحمادي "في هذه الحالة تعرض الجاني لسوء معاملة، دفعه للإقدام على فعلته اللاأخلاقية. لذا خلال مجريات التحقيق لم يستلزم الأمر لإجراء فحوصات طبية، فالدوافع كانت من عوامل خارجية".

لكن حفاظاً على حقوق المتهم، تطابق قول المستشار القانوني الأول محسن زين الدين من مكتب كشواني للمحاماة، والمستشارة القانونية هدى بازي من مكتب كنعان للمحاماة، "بأنه في حال اكتفاء الشرطة بأقوال المتهم وبالأدلة المطروحة، بلا اللجوء إلى فحص العلم النفسي. يمكن للمتهم أن يعترض ويطلب فحص طبي خارج إطار القسم الجنائي، لكنها نادراً ما تحصل". فأكد الطبيب النفسي الدكتور عماد أحمد ثنايى، من المستشفى الإيراني بدبي "أن خلال عشرة سنوات واجهت حالتين. حيث أتى الشرطي بالمتهم وقمت بمعاينته وكتبت تقرير بحالته النفسية. ومازلت أتذكر أن واحداً من المتهمين كان يعاني من الاكتئاب، أما الآخر فلم يكن يشكو من شيء".

وأفاد رئيس قسم الشكاوي، في الإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب، علي محمد علاء "أنّ نسبة شكاوي الخدم على مخدوميهم تصل إلى ألف شكوى سنوياً". ولفت علاء إلى أنّ "المخدومين في بعض الأحيان يدفعون الخدم للإقدام على فعل أفعال غير أخلاقية". من بين هذه العوامل استغلال ضعفهم المادي وحرمانهم من رواتبهم، اتكاء الكلي عليهم في أعباء البيت وزيادة الضغط، إهانتهم بالحديث، وحرمانهم من أبسط حقوقهم كالعطلة والطعام والشراب والتحدث مع عائلاتهم. وهذه الأسباب ممكن أن تصيب الخدم بمرض نفسي، قبل إقدامهم على الجريمة كردة فعل لما يواجهونه من سوء معاملة.

وبالتالي تعمل الإمارات على تقليص مشاكل الخدم من خلال إنشاء مراكز الخدمة "تدبير"، المرخصة من قبل وزارة الموارد البشرية والتوطين. كما شرحت رئيسة قسم وكالات توظيف العمالة، في وزارة العمل بدبي، نوال العبيدي "إنّ مراكز تدبير تتميز بالشفافية والإحترافية بالتعامل. فنحن نحرص على تقديم أفضل عمالة مساعدة، حيث نقوم بتعليمهم بعاداتنا وتقاليدنا". مشددةً "إنّنا نقوم بفحص ٍطبي ونفسي للخدم عن طريق إجراء التحاليل والفحوصات اللازمة. كما تشرف مرشدة إجتماعية على حالتهم النفسية، ومن خلال هذه الخطوات نضمن لهم حقوقهم ونعلمهم طرق التواصل معنا إذا واجهوا أي سوء معاملة أو ماشابه. وكلنا أمل أنّ قضايا الخدم ستتقلص مع نهاية 2019".