جريمة شرف
لماذا كسر أهل "سوزان" ساقها...لأنها أحبت
كيف لقلوبٍ أن تعرف الرحمة إن لم يضئ الحب عتمة قلوبها؟ فسوزان التي أغمضت أعينها لتحلم باليوم الذي سيجمعها مع حبيبها، مرتديةً فستاناً أبيضاً ومن حولها زغاريد الناس تهلل فرحاً. فتحت أعينها، مساء أمس الإثنين، على صوت شهيق أمها وأخواتها، لترى نفسها متمددةً على سرير المستشفى، مرتديةً عباءة المرضى البيضاء.
رغم تطور العالم وانفتاحه إلّا أنّ 20% من عقول البشر مازالت تعيش في العصر الحجري. ينظرون إلى الأنثى بأنها ضلع قاصر، فيقيدونها بحبل العادات والتقاليد الذي أصبح من الصعب التعايش معه في زمننا الحالي.
سوزان البالغة من العمر 18 عاماً، عاشت حياةً قاسية لأبٍ جاهل وأم مسكينة. لم تكن سوزان كباقي الفتيات الدمشقيات، فمنذ صغرها حرمت من أبسط حقوقها مثل اللعب والتعلم وممارسة مواهبها. بالنسبة لوالدها هي مجرد دمية مجردة من المشاعر والأحاسيس، يستطيع حرمانها من هذا وذاك. لكن في الواقع الشئ الوحيد الذي لا يمكن السيطرة عليه هو المشاعر، وبالذات مشاعر الأنثى.
منذ شهرين، التقت سوزان بابن جارهم الذي لطالما كانت تراقبه سراً. لم تتمكن من حرمان قلبها حقه بالتلذذ بدقات الحب، فرغم كل القضبان التي تحيط بالبيت إلا أنها لم تمنع تسلل الرسالة الأولى...الثانية...فالثالثة حتى كشف الأب الرسالة الرابعة. كيف ستكون ردة فعل أب لايعرف تهجئة حرفين حاء باء ’حب‘؟ في تلك اللحظة غمرت سوزان مشاعر التملك والرغبة بالحصول على ما تريد. فبعد كل هذا الكبت خلقت في نفسها رغبة التمرد، مواجهةً تخلف والدها عندما علا صوتها، قائلةً "أنا أحبه وأريد الزواج منه".
لم تمر ثانية، حتى تهجم الأب عليها ضرباً وطرحها أرضاً. لكنها استطاعت الإفلات منه، وهربت من المنزل طلباً للنجدة. في تلك اللحظة، التي كانت تعبر الشارع فيها وكل أنظارها على الأب المتوحش الذي يلاحقها، صدمتها سيارة مسرعة حسبما أفاد بعض المارة. وعلى إثرها تم نقلها إلى المستشفى الجامعي. وأوضح الطبيب العام الدكتور محمد أحمد "أنّها تعاني من كسرٍ في الساق وبعض الرضوض". مضيفاً "أنها تعرضت لصدمة نفسية حادة، تتطلب بضعة أسابيع لتتعافى".
للأسف، هذه ليست الحال مع جميع الفتيات، ففي أغلب الحالات تقتل الفتاة تحت مسمى ’جريمة شرف‘. نتباهى بما وصلنا إليه من تطور وحضارة، لكن فعلياً معدلات هذه الجرائم تزداد سنة بعد سنة في شتى أنحاء العالم. فوفقاً لتقرير في صحيفة "إندبندنت" البريطانية بلغ عدد ضحايا جريمة الشرف في عدد من الدول العربية والآسيوية إلى ما يقارب عشرين ألف فتاة سنوياً. المخزي في الأمر أن في بعض الدول مثل سورية والأردن ومصر...عوضاً عن تشديد العقوبات على قاتلي الدم البارد، يختلقون لهم أعذاراً تخفف من عقوبتهم. أيوجد أكثر من هذا التخلف؟ وما ذنب الفتاة إلّا أنّها أحبت؟
وتبقى الأسئلة مبهمة، هل ستستطيع سوزان تحقيق حلمها؟ هل ستنجو من الموت للمرة ثانية؟ ما المصير الذي ينتظرها بعد أن تتعافى: فستان عرس أم كفن قبر؟
Post a comment