"صفقة القرن: "خطة سلام" أم "شعلة حرب
شهدت العديد من المدن والعواصم العربية والعالمية، الجمعة الماضي، احتجاجاتٍ جماهيرية غاضبة، رفضاً لخطة السلام الأميركية الإسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية أو ما يسمى بـ"صفقة القرن".
فمن غزة والضفة الغربية مرورا بلبنان والأردن وصنعاء اليمنية، ودول في شمال أفريقيا، وصولاً إلى تركيا وباكستان، توحد الغضب الشعبي وردحت أصوات المحتجين بشعاراتٍ منددة بخطة "السلام المزعومة" التي أعلنها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الثلاثاء الماضي.
وقد أعلنت الجامعة العربية، السبت الماضي خلال اجتماع لوزراء الخارجية العرب بالقاهرة، عن رفضها ل"صفقة القرن". وقالت أن "الخطة لن تؤدي إلى اتفاق سلام عادل، باعتبار أنها لا تلبي الحد الأدنى من حقوق وطموحات الشعب الفلسطيني، وتخالف مرجعيات عملية السلام المستندة إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة". كما حذرت من قيام إسرائيل بتنفيذها "بالقوة".
وشدّد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في اجتماع الجامعة على "قطع أية علاقة بما فيها الأمنية" مع إسرائيل والولايات المتحدة، مؤكداً أنه سيحرر من التزاماته بموجب اتفاق أوسلو الذي "نقضته" إسرائيل بتبنيها خطة السلام الأمريكية. وأضاف قائلاً إن "على إسرائيل أن تتحمل من الآن فصاعداً مسؤوليتها كقوة احتلال للأراضي الفلسطينية".
وبحسب ما تناقلته وسائل الإعلام الجمعة الماضي، أثناء استقبال الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، لمحمود عباس، فقد أعرب أبو الغيط عن مساندة الدول العربية للشعب الفلسطيني، قائلاً إنّ "العرب لن يتخلوا عن الفلسطينيين".
ردود أفعال الدول العربية بين مؤيد ومعارض
لكن ردود أفعال الحكومات العربية قد تباينت بشأن "صفقة القرن". ولم تتحد الحكومات العربية بكلمة رفض موحدة، بل هنالك من وافق ورأى أن "صفقة القرن" خطة هادفة نحوى السلام. ومن هذه الدول دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي إعتبرت خطة السلام على أنها "نقطة انطلاق مهمة للعودة إلى طاولة المفاوضات"، مؤكدة ترحيبها بهذه "المبادرة الجادة".
وإلى جانب الإمارات، حضر المؤتمر الصحفي أثناء الإعلان عن "خطة السلام" في البيت الأبيض، كلٌ من سفير سلطنة عمان والبحرين لدى واشنطن، للتأكيد على دعمهم لخطة السلام.
وفي المقابل، أكدت وزارة الخارجية الأردنية في بيان عن "رفضها لخطة السلام" مؤكدة أن "حل الدولتين الذي يلبي الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق، خصوصاً حقه في الحرية والدولة على خطوط الرابع من حزيران (يونيو) عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية لتعيش بأمن وسلام إلى جانب إسرائيل وفق المرجعيات المعتمدة وقرارات الشرعية الدولية هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام الشامل والدائم".
ويأتي رفض الأردن خشيةً على أرضيها، حيث تضم الصقفة خططاً لضم أراضي غور الأردن إلى إسرائيل، ما يزيد مخاوف الحكومة الأردنية من مضمون "خطة السلام"، بحسب موقع "مونت كارلو الدولية".
ومن جهته، أكد الرئيس اللبناني، ميشال عون، لنظيره الفلسطيني تمسك بلاده بالمبادرة العربية، ولا سيما حق عودة الفلسطينيين إلى أرضهم وقيام دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس. إذ يخشى لبنان من توطين اللاجئين الفلسطينيين لديه بما يحمله ذلك من تبعات اقتصادية وديموغرافية، كما ذكر موقع ال "بي بي سي". فمبادرة ترامب ترفض أي عودة للاجئين الفلسطينيين إلى إسرائيل، وإسقاط أي مطالب مستقبلية بالتعويض.
وأما بالنسبة لسورية، فوصفت الخطة بأنها "استسلام" لإسرائيل. فيما شجعت المملكة العربية السعودية في بيان لها على أهمية دخول الفلسطينيين والإسرائليين في مفاوضات تحت إشراف أمريكي وتعديل الخلافات المتمحورة حول "خطة السلام". ومن جهتها، أيدت مصر موقف السعودية من حيث استئناف المفاوضات برعاية أمريكية، بعد دراسة "متأنية" للخطة.
اتنفاض مواقع التواصل الاجتماعي
وكما أثار الإعلان عن "صفقة القرن" ردود أفعال الحكومات العربية، التي تراوحت بين مؤيد ومعارض، أثار بدوره الإعلان ردود فعل الشعب العربي على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث جمعت بين الرفض والإحباط والسخرية من الوضع الراهن في العالم العربي.
وعلى موقع "تويتر"، تصدر وسم #القدس_عاصمة_فلسطين ووسم #بصقة_القرن قائمة الوسوم الأكثر تداولاً. وعبر عدد من المغردين عن رفضهم لخطة السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وذلك لأنها جاءت مخالفة للمفهوم الحقيقي للصفقة، والذي يفيد تحقيق مكاسب للطرفين، كما كتب خالد الدخيل في تغريدة على حسابه:

وقد تفاعل عدد من الفنانين العرب وأبدوا آرائهم "بصفقة القرن"، فغردت الفنانة اللبنانية إليسا على حسابها الخاص في موقع "تويتر"، قائلة إن "من يزعم بأن صفقة القرن ستجلب معها السلام... فسيكون على حساب دماء الملايين من الناس المعنية بالأمر أو غير المعنية"، وفق تعبيرها، وانتقدت الفنانة ما أسمته غياب العدل في السياسية:

ومن وجهة نظر الكاتب السعودي تركي الحمد، فغرد مشيراً أنه "من الخطأ عدم قبول الخطة الأمريكية"، متسائلاً عن البديل:
وفي رأي بعض المغردين أن "خطة السلام أتت بالوقت المناسب"، فغرد ناشط يدعى الزِّنَاد العُماني قائلاً إنّ "الصفقة ستوحّد الصف الفلسطيني وسوف تزيد من صلابة فصائل المقاومة وستجعل الشعوب العربية والإسلامية في خندق واحد مع أبناء فلسطين في ظل التفرقات التي يشهدها الوطن العربي".
توقيت الصفقة
وفي ما يخص التوقيت وسبب إعلان ترمب عن "صفقة القرن" في هذا الوقت، يشرح أمين عام الاتحاد البرلماني العربي، الأستاذ فايز شوابكة في تصريحٍ خاص، أن "الصفقة كانت جاهزة ومحضرة من وقت طويل، إلا أن كلٌ من ترامب ونتنياهو قررا رمي ورقتهم الأخيرة التي علها تقوي وضعهم على المستوى الشخصي والسياسي"، ويستكمل حديثه قائلاً إن "كلاً منهما يواجه القضاء، فترامب متهم بتهمة إساءة استخدام السلطة الرئاسية وعرقلة عمل الكونغرس، ونتنياهو متهم في ثلاث قضايا فساد".
ويقول الكاتب السياسي، الأستاذ يوسف رزقة في موقع "فلسطين أونلاين" إن ترامب نفسه "في حاجة إلى الإعلان عن الصفقة، مع علمه بوجود عقبات قوية أمامها"، ويضيف "ويمكن القول من جهة أخرى إن نتنياهو نفسه في حاجة ماسة للإعلان عنها، لذا يمكن القول إنه هو المحرك الرئيس في اختيار توقيت الإعلان عن الصفقة، فنتنياهو يريد أن يستخدمها ورقة في الانتخابات تساعده على الفوز وتمنع محاكمته".
ويتابع: "هذا توقيت يأتي بعد الاحتفالية الكبرى بالمحرقة، ويأتي في ظل ضعف فلسطيني، وتفهّم عربي جيد للعلاقة مع إسرائيل وأمريكا، لا سيما في منطقة الخليج ومصر والأردن".
ويذكر أن "صفقة القرن" تم إعدادها من قبل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ 2017، في خطوة لإحياء "السلام" في الشرق الأوسط وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي. وكان من المتفق أن يتم تقديمها رسمياً مطلع 2018، لكن تم تأجيل ذلك عدة مرات. ووفقاً لشبكة فوكس نيوز، تتضمن خطة السلام الأميركي 181 بند موزع على 80 صفحة، تم تداول الكثير من مضامينها إعلامياً.
Post a comment