← Back Published on

"ويكيليكس"

خلف قضبان سجن بلماش البريطاني زُجّت "حرية الصحافة". ففي 11 نيسان (أبريل) الماضي، أثار اعتقال مؤسس موقع "ويكيليكس" جوليان أسانج، جدلاً في الوسط الصحفي معتبرين اعتقاله اعتداءٌ مباشر على حرية الصحافة. بينما تؤكد وزارة العدل الأمريكية أنّ أعمال أسانج "مؤامرة إجرامية".

لقد استطاع الأسترالي جوليان أسانج تصدر عناوين الصحف من خلال موقع "ويكيليكس"، الذي أسسه عام 2006، بعد أن كشف أسرار العديد من الأنظمة السياسية والحكام والشخصيات العامة. فقد نشر أكثر من 700 ألف وثيقة سرية سُربت من الاستخبارات المركزية الأمريكية عن الجنود الأمريكان في حرب العراق وأفغانستان، وعرفت فيما بعد بأنها واحد من أكبر تسريبات الحكومة الأمريكية في تاريخ الولايات المتحدة.

وعلى إثرها اتُّهم أسانج بالمؤامرة، بعد أن تعاون مع عميلة الاستخبارات الأمريكية السابقة، تشيلسي مانينغ (المعروفة سابقاً بـ"برادلي مانينغ") وتمكنوا من اختراق معلومات سرية في وزارة الدفاع الأمريكية. وهذه التهمة كفيلة بحكمه بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات، مع توقعات باحتمالية اتهامه بالتجسس وهو ما قد يودي به إلى عقوبات أكثر حدة.

وفي المقابل، اعترض عدد من الصحفيين حول العالم على اتهام الولايات المتحدة أسانج بالتجسس. حيث أكدت محامية أسانج، جينيفر روبينسون أنّ "هذا الاتهام يزيد من احتمالية مواجهة أي صحفي ينشر معلومات صادقة عن الحكومة الأمريكية خطر التسليم إليها، وهذا ما يجعل اعتقال أسانج سابقة خطيرة."

قبل تأسيس الويكيليكس المعروفة ب"كاشفة أسرار الحكومات"، لم يكن نشر تسريبات ملفات سرية أمرٌ مقلق للصحفين الأمريكان. فكانوا يحظون بدعم قرار من المحكمة العليا ينص على أنّ "الصحافة الحرة وغير المقيدة هي وحدها التي يمكن أن تكشف الخداع في الحكومة بفعالية".

وعلى الرغم من أن أسانج مختص بالصحافة الاستقصائية غير الاعتيادية، فهو يكشف وثائق سرية تمس الأمن القومي والتي تحرص السلطات الرسمية على عدم الإفصاح عنها. وفي الوقت ذاته يحافظ على سرية المصدر ويأمن الحماية لمصادره التي حصل منها على هذه المعلومات. إلا أنّ “الحكومات المعارضة” لأسانج تدرجه تحت مهنة ممثل سياسي وليس صحفي، لتخطيه معايير الصحافة.

وعلق بعض الصحفيين على رأي الحكومات، موضحين معايير الصحفي الناجح. ومن أبرزها المصداقية في كتابة ونقل الأخبار والتأكد من مصادرها قبل أن تنشر والحفاظ على سرية هذه المصادر والموضوعية في الكتابة وعدم الانحياز. وهذا ما تقوم به ويكيليكس، فقبل نشر التسريبات يقوم الفريق بالتأكد من الخبر وليس عن خلفية المصدر.

وتعتبر السرية أساس عمل ويكيليكس، حيث تقوم مجموعة من الصحفيين المتطوعين والناشطين باستقطاب الأخبار التي يتم إرسالها عن طريق البريد الالكتروني بهيئة رسائل مشفرة من قبل مصادر مجهولة الهوية. فبالنسبة لهم، حسبما أشار أسانج في مقابلة مع برنامج "تيد تالك" إلى أنّ " نادراً جداً ما نعرف المصدر. ولو عرفنا في مرحلة ما، عندها تكون قد دمرنا تلك المعلومات بمجرد علمنا."

طريقة تعامل ويكيليكس مع التسريبات، دفعت عدد من الصحفيين العاملين في الجارديان وصحيفة نيويورك تايمز ومجلة دير شبيغل الألمانية إلى نشر هذه التسريبات وجعلها متاحة بين أيدي الناس. وتقول الإعلامية والرئيس التنفيذي لشبكة "أريج" للصحافة الاستقصائية بالأردن، رنا الصباغ، أنّ " موقع مثل "ويكيليكس" يساعد الصحفيين في كل أنحاء العالم، خاصة هؤلاء الذين يفضلون الكتابة في الأمور الحساسة ولا يجدون لها المعلومات المتاحة". لكنها تشدد على أهمية التأكد من المعلوماتن مضيفةً أنّ " على الصحفي الاستقصائي أخذ الإشارة من ويكيليكس ويطابق ما تأتي به هذه التسريبات مع أرض الواقع. لا يكفي أن نستند إليها كمصدر وحيد، إنما ينبغي التأكد من التوثيق والرجوع إلى أكثر من مصدر بعد ذلك".

ويذكر أن ويكيليكس تحتفظ بعشرة ملايين وثيقة، حسب ما ذكرت صحيفة "ذا جارديانز"، ونشرت وثائق سرية حول كنيسة السيانتولوجيا، وأسماء وعناوين وبيانات اتصال خاصة بأكثر من 13 ألف من أعضاء الحزب البريطاني القومي، ووثائق متعلقة بالحرب السورية وآلاف الوثائق الأخرى التي كشفت عن الأنشطة غير القانونية والممارسات غبر الأخلاقية من الحكومات والمؤسسات الأخرى. وكان هدف أسانج "فتح ملفات الأنظمة الاستبدادية" أمام العالم، فهو يؤمن بأن "فكرة المعرفة هي القوة والشفافية مطلوبة لتحقيق مجتمع منفتح وعادل وحر"ّ.